فتيات فنا يحولن خشب السرسوع إلى قطع فنية تنافس المنتجات العالمية

بأيادى نسائية وعيون تعودت أن تترجم الجمال إلى تحف فنية تسر الناظرين، حولت فتيات قنا أخشاب السرسوع الصماء إلى قطع فنية تتحاكى عن نفسها، وتجذب إليها عيون الناظرين، لروعة وإتقان تنفيذها ، للتحول إلى منتجات صالحة للزينة أو للمطبخ، عقب حصولهن على فترة بسيطة من التدريب على التعامل مع هذه النوعية من الأخشاب النادرة.

"السرسوع" أشجار تنتشر في مناطق كثيرة بمصر المحروسة، لكن أفضلها يتواجد في جنوب مصر، لتعرضه لدرجة حرارة أعلى بكثير عن بقية المناطق، ما يساهم في التعامل بشكل أسرع مع الأخشاب عقب قطعها، لتتشكل منها منتجات بأشكال وأحجار متفاوتة ومتفردة في صناعتها، دون الاستعانة بأى مواد صناعية تدخل في مراحل عملها.

صنع في مصر

أمان منتجات خشب السرسوع صحياً، أضاف كثيراً لقيمتها الجمالية المتفردة، التي لا يدانيها فيها أي نوع آخر من الأخشاب، ما يجعلها دائماً في قائمة اهتمامات للمواطنين أو أصحاب المطاعم الباحثين عن أدوات صحية في مطابخهم، فضلاً عن اهتمام الكثير من المهتمين بالتراث والأنيكات، بشراء القطع الفنية المميزة منها، بجانب إقبال الكثير من السائحين على شراء هذه المنتجات التي تحمل شعار" صنع في مصر".

الشكل الجمالى المميز لقطع ومنتجات السرسوع، ما كان لها أن تخرج بهذا الإبداع، إلا بعد عدة مراحل من العمل المتقن " بعضها يحمل الكثير من المخاطر"، تبدأ إحضار وتجفيف الأخشاب لعدة أشهر، يليها عملية التقطيع والتشكيل والتنعيم، وينتهى بدهان المنتج بزيت الزيتون لإعطاء لمعان وسد المسام التي قد تكون موجودة بقطع الخشب.

التعامل مع السرسوع مختلف

قالت هبه محمد، العمل مع خشب السرسوع يختلف تماماً عن التعامل مع أي نوع آخر من الأخشاب، فالسرسوع يتطلب دقة وتركيز وإيمان بتميز هذا النوع من الأخشاب، لكى نخرج منه في النهاية بمنتج وشكل مميز، وكانت بداية تعاملى مع هذا النوع من الأخشاب من خلال ورشة النجارة التابعة لجمعية ريدك، منذ عام ونصف، بدأتها بعمل ملعقة وشوكة بعد تقطيعهم على المنشار، إلى أن تعلمت عمل أطباق وصوانى.

وتابعت محمد، كنت أخشى التعامل مع المنشار الكهربائى في البداية، لكن مع الوقت تعودت على العمل مع معظم الآلات والأدوات بورشة النجارة، والتركيز بشدة أثناء العمل على المنشار وعدم الانشغال بأى شىء آخر، حتى لا أعرض حياتى والآخرين للخط، وتعرفت أكثر على خشب السرسوع والذى يتميز بصعوبة في التعامل معه بخلاف الخشب المصرى، وكل فترة يتولى المدربين بجمعية ريدك لنقلنا إلى مرحلة أخرى في العمل تصقل خبراتنا ومهاراتنا في التعامل مع هذا النوع من الأخشاب.

وأضافت هند طه، بدأت العمل بورشة النجارة منذ عامين، تعلمت خلالهم البلانشات والصنفرة للمنتجات، والعمل على المخرطة والمنشار الكهربائى، وشاركت فى عمل انتيكات وترابيزات وتحف متنوعة من السرسوع، وأسعى دائماً خلال عملى لإنجاز القطعة المطلوبة بمفردى، حتى تكون بالشكل المأمول بالنسبة لى وخاصة الأطباق والمعالق التي أجيد صناعتها وتنفيذها.

حصلت على تدريب 15 يوما

وأشارت هبه محمد عبدالسميع، إلى أنها قدمت للتدريب على خشب السرسوع، بعدما شاهدت عنه إعلاناً بصفحة جمعية ريدك على مواقع التواصل الاجتماعي، وحصلت بعدها على تدريب لمدة 15 يوم، ثم تدريب متقدم لمدة 15 يوم آخرين، وبعدها 12 يوم آخرين، لتعلم مهارات التعامل والعمل على خشب السرسوع، إلى أن تمكنت من عمل كافة أدوات المطبخ التي تصنع من السرسوع" ملاعق العسل، أطباق، شوك"، مع تعلم كيفية تقطيع الخشب وعلاج السوس الموجود بالخشب.

وأوضحت عبدالسميع، بأن هناك مراحل كثيرة يمر بها المنتج حتى يصل للشكل النهائي المميز، تنتهى بالصنفرة، بعد مرورها على 3 درجات حتى نصل لدرجة جيدة من النعومة، وخلال هذه المراحل نعمل على الكثير من المعدات والأدوات، منها " منشار كبير وصغير، مخرطة، الصاروخ، الدبابة " وغيرها من الأدوات التى تختلف باختلاف المنتج المراد تصنيعه.

فيما قال أحمد عبدالله، مدير مركز التدريب والإنتاج بجمعية جمعية ريدك للتنمية المستدامة، إن فتيات مصر قادرات على أن تجعل شعار"صنع فى مصر" يفرض نفسه على كافة المنتجات الحرفية والصناعات البسيطة التى تستنزف ملايين الدولارات من الخزينة المصرية، فمن خلال خشب السرسوع تمكنت فتيات قنا بأناملهن الذهبية من تحويل القوالب الخشبية وفروع أشجار السرسوع، إلى تحف فنية، بعضها أدوات للزينة يجمل الحوائط، وبعضها الآخر يستخدم كالأنتيكات العريقة التى تضفى على أرجاء المنازل تميزاً وعراقة، فيما يستخدم الكثير منها كأدوات صحية فى المطبخ ما بين أطباق أو صوانى من خامات طبيعية فريدة، تعطى مذاق مختلف للأطعمة التى توضع فيها.

منتجات صحية

وأوضح عبدالله، بأن منتجات خشب السرسوع صحية ولا تستخدم فيها أي مواد صناعية، وتتنوع منتجات السرسوع ما بين أدوات وأشكال للزينة، وأدوات للمطبخ مثل الشوك والسكاكين والأطباق، تعطى أمان كبير للأطعمة، كون الخشب طبيعى بنسبة 100%، ولا يستخدم معه إلا زيت الزيتون لتلميع وإغلاق المسام القطع، فضلاً عن لون طبيعى صحى يعطى مزيد من الجمال على الأشكال أثناء تقديم المأكولات بها.

وأشار عبدالله، إلى أن شجر السرسوع، من الأشجار التى تنمو فى مناطق كثيرة بمصر، وهو نوع من أشجار الزينة والظل، وأفضل الأماكن التى يتواجد فيها هذا النوع بجودة ومتانة عالية فى جنوب الصعيد، لطبيعة الجو الحار، ولا يتم التعامل مع الخشب إلا بعد 6 أشهر من القطع حتى يجف بشكل جيد، وبعدها يتم التعامل معه بالتقطيع من خلال المنشار.